ماذا علمتني الحياة ؟

https://samarkand.odoo.com/web/image/product.template/24970/image_1920?unique=54bb772
QR 78.00
pages ISBN: 9789770919309
format غلاف ورقي
publish Published: 2022
pages 338 pages
USUALLY DISPATCHED WITHIN 2 DAYS
USUALLY DISPATCHED WITHIN 2 DAYS

    هذه التركيبة غير موجودة.

    منذ سنوات كثيرة، رأيت فيلمًا بولنديًّا صامتًا لا يزيد طوله على عشر دقائق، ظلت قصته تعود إلى ذهني من وقت إلى آخر، وعلى الأخص كلما رأيت أحدًا من أهلي أو معارفي يصادف فى حياته ما لا قبل له بردِّه أو التحكم فيه. تبدأ القصة البسيطة بمنظر بحر واسع، يخرج منه رجلان يرتديان ملابسهما الكاملة ، ويحملان معًا ، كل منهما في طرف، دولابًا عتيقًا ضخمًا له ثلاث ضلف، وعلى ضلفته الوسطى مرآة كبيرة. يسير الرجلان في اتجاه الشاطئ وهما يحملان هذا الدولاب بمشقة كبيرة، حتى يصلا إلى البر في حالة إعياء شديد، ثم يبدآن التجول في أنحاء المدينة وهما لا يزالان يحملان الدولاب. فإذا أرادا ركوب الترام حاولا صعود السلم بالدولاب وسط زحام الركاب وصيحات الاحتجاج. وإذا أصابهما الجوع وأرادا دخول مطعم، حاولا دخول المطعم بالدولاب فيطردهما صاحب المكان. لا يحتوي الفيلم إلا على تصوير محاولاتهما المستميتة للاستمرار في الحياة وهما يحملان دولابهما الثقيل، إلى أن ينتهى بهما الأمر بالعودة من حيث أتيا، فيبلغان الشاطئ الذي رأيناه في أول الفيلم، ثم يغيبان شيئًا فشيئًا في البحر، حيث تغمرهما المياه وهما لا يزالان يحملان الدولاب. منذ رأيت هذا الفيلم وأنا أتصور حالي وحال كل من أعرف وكأن كلًّا منا يحمل دولابه الثقيل، يأتي معه إلى الدنيا ويقضي حياته حاملًا إياه من دون أن تكون لديه أية فرصة للتخلص منه، ثم يموت وهو يحمله. على أنه دولاب غير مرئي، وقد نقضي حياتنا متظاهرين بعدم وجوده، أو ما نظن أنها اختياراتنا. فأنا لم أختر أبي وأمي أو نوع العائلة التي نشأت بها، أو عدد إخوتي وموقعي بينهم، ولما أختر طولي أو قصري، ولا درجة وسامتي أو دمامتي، أو مواطن القوة والضعف في جسمي وعقلي. كل هذا عليَّ أن أحمله أينما ذهبت، وليس لديَّ أمل في التخلص منه.